فاضل ميراني
بقاء الصراع الحزبي في فلك الفوز بمناصب حكومية، هي مرحلة مرت بها الانظمة السياسية في اغلبها، حتى قبل نشوء الحزبية بشكلها ومضمونها الحاليين، لكن النتائج لم تجاوز في تاثيرها حدود مكان السلطة، و كانت الانظمة تلك و في احسن احوالها اداة بيد الانظمة الاقوى، التي تعرف كيف تخلق مفاهيم للحياة و ديمومتها، فتذهب لتعزيز الاقتصاد بخطوات فاعلة وتمكن للقانون فيكون محسوسا بوجوده مسلم بعدالته و انسانيته، تراقب الانظمة حركة السوق وتعد خططا مستقبلية ناجعة لا ارتجالية، بحيث تندفع حركة البناء و يؤمن الجيل القائد بثقة ان الجيل الذي يستعد لتحمل المسؤوليات لن يكون جيلا همه ذاته والتمجد بصفاته.
بحسب رؤيتي لمستقبل العراق، و مع الرجاء ان يكون كما يستحق ان يكون بموقع ريادي، الا ان التشريح العلمي و السياسي لما يفعل فيه وبه و فعل من قبل، لن يكون في نتائجه المنتظرة الا مكانا للتنافس الحزبي غير المنضبط، فالذهاب بقسوة لكسر مجاميع اثنية و سياسية بغية التحالفات و تقاسم الغنيمة، يؤكد ان العقلية المعارضة المتنورة قبل سنوات اصابتها عدوى زمن الغزوات و قطع الطريق، وذلك مؤشر تسجله دوائر الغرب السياسية التي لم تتلق للان ما يؤكد لها اطمئنانا لبناء علاقة مستقرة مع العراقيين، فضلا عن ان تكون شراكة!.
عندما ارجع لاستعرض تاريخ دويلات العراق ولا سيما بعد هزال الخلافة العباسية، تستوقفني التواريخ التي تختصرها السير والتوثيقات، حيث ان بعض الدول لم تستمر الا ستين او سبعين سنة، وبرأيي فتلك لم تكن دولا، بل كانت حكومات و لكن بلون ومحتوى لم يستحق العيش اكثر مما يجب، بسبب ان الشعارات و الاهداف والعقول التي تمكنت من الحكم لم تكن لا على مستوى طموحات الرعية، ولا استوعبت معنى التاريخ العراقي الموغل في القدم، ذلك التاريخ الذي للكرد اجزاء كبرى في صناعته، قبل مجيء الاسلام و خلاله و بعد تحول الرسالة الى دولة، فلا عجب بعدذاك ان تنحسر الدول و تحل بديلاتها محلها، و محل البديلات بديلات اخريات!.
ان دولا اصغر مساحة من العراق، و اقل منه كثيرا في صنع التاريخ البشري و الانساني، مرت بمنعطفات و منزلقات اخطر مما مر به العراق، استطاعت ان تبني هوية وجودها المنتج لشعبها و شعوب العالم، فليس من الجبر بمكان ان تكون الانظمة قائدة في الاسرة الدولية، مثلما ليس من الجبريات عليها ان تكون بلا هوية، او بهوية قد ترضي المستفيدين لكنها لا تحظى بالثقة من اغلب رعاياها و لا من المجتمع الدولي.
رغم كل ما يقال مثلا عن الحرب في سوريا فلقد استوقفني ان المزارع السوري لم يتوقف عن البذر و الرعاية و الحصاد لثمار حقله، ولم يتوقف الصانع الايراني حتى خلال حرب البلدين في الثمانينات من القرن المنصرم عن فتح سوقه في العراق و الذي بدأ بشكل غير مشروع ثم صار مشروعا وبعلم الحكومة العراقية المنحلة.
لست ارى طموحي في العراق ذاك، بل الطموح اكبر، لو ان مفهوم الصراع انتقل الى مضمار اخر، فخمس عشرة سنة في عمر دولة لها نخبها من ذوات التجارب و العقول، لمدة زمنية ليست هينة و لا قليلة و لا تأثيرات انكسارتها محدودة ، ان اقليما مثل اقليمنا الكردستاني الذي تمكن من انشاء بيئة من التعايش يمكنه ان يقدم لنفسه و للعراق مزيدا من التقدم، تقدم سيعزز المواطنة و يخلق مفهوما جديدا من الشراكة بعيدا عن الشعارات و الامال التي يبدو انها تعثرت بسبب العقل الذي انغلق على مضمار للسبق لن يدوم او يعم اثره او يخلد.
ان بدء صفحة من صفحات الانبعاث للهوية العراقية بلون من قومياتها المتعددة، في مضامير التعليم العالي و البحوث العلمية، وانشاء منصات للاعلام و مرافق لبنية صناعية وطنية تعيد ما كانت عليه الصناعات العراقية و تحركها نحو المواكبة، وانشاء مراكز طبية داخلية بدل التغرب و السعي وراء علاج يظهر التفاوت الطبقي و يركز تصور الاخرين عنا بما يشبه ماقاله مواطن غربي لما شاهد رئيسا عربيا يعالج في الخارج” بم كان الحاكم منشغلا بحيث لم يبن مشفى ببلاده”؟
اعود لاقول، اننا متى ما غيرنا مضامير الصراع الحالية الى مضامير لمستقبل يعود على رعايا دولتنا بالفائدة، كلما قلت فرص زوال الانظمة كما يخبرنا التاريخ عن انظمة قدمى.
{ سكرتير المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني